الصفحة الرئيسية . اراء ومقللات .

الثلاثاء، 24 يناير 2012

رسالة من جريح

                                                    

"كل ما نطلبه من القيادات هو أن تتفق أما نحن الشباب فسنقدم أغلى ما نملكه وهو أرواحنا ودمائنا فداء الجنوب " هذه الكلمات الصادقة والمؤثرة التي بثتها قناة عدن لايف على لسان احد جرحى الذكرى السادسة ليوم التصالح والتسامح الجنوبي هزتني بشدة وزلزلت كياني لأنها ليست مجرد كلمات تطلق لتزجيه فراغ أو عبارات جوفاء يتشدق بها بعضهم وهم في بروجهم العاجية ينظرون لنضالات الجماهير و لا تسلم  تصرفات الشباب العفوية  من نقدهم الذي يصل  حد التجريح ثم بعد ذلك يتكرمون بإعطاء النصح والإرشاد للشباب 
إنها كلمات أطلقها احد الأبطال الشباب الذين استهدفتهم آلات الفتك والدمار وهم في ساحة الحرية بخور مكسر يحتفلون بذكرى التصالح والتسامح هذه المناسبة التي أفقدت السلطة ورقتها الرابحة التي كانت تستعملها لتأجيج الصراعات والنزاعات الجنوبية-الجنوبية ونجحت بذلك أقصى نجاح تجلل في حرب 94 العدوانية
استثمرت السلطة نجاحها بسياسة فرق تسد بضع سنين وما أن اطمأنت لنجاح سياستها حتى فاجأها المارد الجنوبي بصحوته التي قضت مضاجعها الوثيرة  وكانت بداية الانطلاقة المباركة في التجمعات التي رعتها جمعية ردفان وتمخض عنها الاتفاق الشهير اتفاق التصالح والتسامح الجنوبي
سعت السلطة عبر كثير من أبواقها لخلخلة الموقف  الجنوبي و لم تذخر لذلك أي جهد من الترهيب إلى الترغيب  لكن المارد الجنوبي  كان قد انطلق من القمقم ولن تتمكن أي قوة من كبحة
لازلت أتذكر لقاء الرئيس السابق بقيادات حزبه ومن لف لفهم المنعقد في محافظة أبين ووجه فيه سهام نقده  لمبدأ التصالح والتسامح وأعلن رفضه وعدم اعترافه بة ثم تمادى وبشكل مفضوح لتحريض أبناء أبين على بقية أبناء المحافظات الجنوبية لقد شكل ذلك صدمة لكثير من الجنوبيين الذين كانوا مخدوعين بالشعارات الجوفاء والألقاب الرنانة التي كانت تطلقها أجهزة الإعلام الرسمي على ( فخامته )  وزاد اندهاش البعض من الحملة الرسمية التي شنتها وسائل الإعلام الرسمية وبعض من سمى نفسه بالمعارضه ضد مبدأ التصالح والتسامح الجنوبي وتسأل الكثير منهم
 لماذا يرفضون أن نتصالح ونتسامح نحن الجنوبيين فيما بيننا ؟؟
إنهم يوميا يعزفون على وثيرة (الوحدة الوطنية ) أليس تصالحنا وتسامحنا مما يقوي هذه الوحدة ؟؟
 أسئلة كنيرة بدأت تدق (نفوخ )كثير من الجنوبيين وبدأت كثير من الغشاوة تنقشع وتسطع الحقيقة بجلاء يوما عن يوم
لقد حاربت السلطة وبشراسة مستغلة كل إمكاناتها لتصوير ما يحدث وكانه نتاج جماعات قليلة فقدت مصالحها
واطمأنت لهذه النتيجة حتى فاجأتها المسيرات والتظاهرات الشعبية السلمية  التي كان طليعتها الشباب نعم فعلا الشباب الجيل الصاعد ممن لم يعاصروا كل تلك الأحداث التي كانت السلطة تستغلها لبث الفرقة بين أهلنا  في الجنوب
 نعم انه الجيل الذي كانت الخطابات الرسمية تقول عنة انه جيل الوحدة وهو الذي سيحميها 
هذا الجيل لم يرفض الوحدة كمبدأ لكنة رفض وحدة عودة الأصل إلى الفرع
رفض وحدة مواطني الدرجة الأولى مع مواطني الدرجة الثالثة
 رفض وحدة الامتيازات الكاملة لمواطني  منطقة الأصل والسمع والطاعة لمواطني منطقة الفرع
 رفض وحدة التبعية  وإلغاء التاريخ والثقافة  والهوية الجنوبية 0
لقد وقف الشباب في ساحات الجنوب المختلفة في عدن  ولحج وأبين وشبوة وحضرموت والمهرة وطالب إخوته في بقية المحافظات الوقوف جانبه ودعم صموده   و لا مجيب 
 وعندما بدأ سقف المطالبات الجنوبية  بالارتفاع وبدأت الأصوات الجنوبية تنادي بعودة دولتهم السابقة انبرى كثير من الجهابذة من كل أطياف (مطلع) لتوضيح خطل هذه المطالبات وان ما يعانيه الجنوب يعانيه  كل الشمال منذ سنوات
لقد استعملوا كل كلمات الحق لمناصرة وجهة نظرهم ولكنها كلمات الحق التي يراد بها باطل
واليوم ومع ترسخ نضال الشباب وتوسع حراكهم السلمي لجميع المناطق الجنوبية واستحالة اجتثاث جذورهم من الأرض التي روتها دمائهم الزكية يهتف الشباب بأعلى أصواتهم مطالبين القيادات بالتوحد ولسان حالهم يقول لقد قمنا نحن الشباب بدورنا خرجنا إلى الساحات وقدمنا الشهداء والجرحى وهذا واجبنا قمنا وسنقوم به على أكمل وجه ولا نطالبكم بالقيام به وكل ما نطالب به هو أن تتحد قياداتنا وخاصة الموجودة في الخارج كونها شخصيات معروفة عالميا واتحادهم سيقوي موقفنا في الداخل وأصواتهم سوف يسمعها العالم عبر منظماته وهيئاته العليا فالعالم يقف  مع من يقف مع نفسه أولا أما المتشرذمين فالعالم لايعترف بهم ونرجو أن لا توصلونا نحن أيضا إلى هذا الموقف
كل ما سبق كان خلاصة ما خرجت به من لقاءاتي  مع جرحى يوم التصالح والتسامح الذي عقد بساحة الحرية بخورمكسر عدن هؤلاء الشباب  مفخرتنا وأملنا أكد جميعهم أن هذه الإصابات لن تثنيهم عن القيام بدورهم الذي سيواصلونه عقب خروجهم من المستشفى لقد أدمعت عيني وطرب قلبي وأنا أنصت بخشوع لكلماتهم الممزوجة بأنات الألم 
لم تكن أول مرة التقي بمثل هؤلاء الشباب الأبطال  وبالطبع لن تكون الأخيرة وإنما هزتني هذه الكلمات التي استهللت بها مقالي هذا لان قائلها هو الجريح "حسام صلاح المطري"    ابني   فلذت كبدي
 أدعو الله معي له بالشفاء ولشبابنا الجرحى

الأحد، 8 يناير 2012

أما زال فينا رجل رشيد


                           
بقلم د/ مرفت فوزي
أيام قلائل مضت منذ اختتم ملوك وأمراء مجلس التعاون الخليجي قمتهم الدورية الثانية والثلاثين في العاصمة السعودية الرياض وقد تميزت هذه القمة بما طرحته من قضايا كان أبرزها ما عرضه العاهل السعودي في كلمته الافتتاحية وطلب فيها الانتقال من حاله التعاون إلى حاله الاتحاد و لقيت مبادرته ترحيب كل الزعماء المشاركين بالقمة
 إن هذه الدعوة دغدغت مشاعر وعواطف شريحة واسعة من جماهير الأمة العربية ولكنها في المقابل ولدت بعض المخاوف لدى قلة قليلة من جماهير هذه الأمة واعتقد أني واحده من هذه القلة
 وقد تولدت لدي هذه المخاوف  مما لمسته وعايشته في ظل الوحدة  اليمنية  فالعواطف  الصادقة و الآمال الكبيرة لا تكفي لتكون قاعدة ننطلق منها ونبني عليها بل يجب الأعداد والتهيئة لكل الظروف والعوامل لإنجاح ما نطمح إلية
فإذا أراد الأشقاء الانتقال من مرحلة التعاون الناجحة إلى مرحلة الاتحاد التي هي مرحلة مختلفة جدا عما هم علية ألان فيجب عليهم أن يضعوا نصب أعينهم التجارب العربية  السابقة للاتحاد واقصد بذلك الوحدة المصرية –السورية   ووحدة شطري اليمن .
لأن في حالة فشل هذا الاتحاد فلن يعود الوضع إلى ما كان علية ولكنة سيؤثر قطعا بشكل سلبي على صيغة التعاون التي كانوا عليها
قامت  الوحدة المصرية-السورية في أجواء مفعمة بزخم ثوري عربي طاغي وكان لشخصية الزعيم الراحل جمال عبد الناصر الأثر البالغ في إحداث ذلك المناخ الذي كان يسود المنطقة العربية
 لقد التفت الجماهير العربية حول شخصية الزعيم بصوره قل نظيرها في التاريخ العربي
وقد قامت الوحدة المصرية السورية في 1957بعد أحداث عظيمة مرت بها مصر واقصد بذلك تأميم قناة السويس و ما أعقبها من عدوان ثلاثي على مصر
 كل ذلك  رسخ وقوى مكانة الزعيم جمال عبد الناصر لدى الجماهير العربية التي كانت تراه زعيمها الأوحد بلا منازع .

خلال عملي في الحقل الصحفي أجريت كثير من اللقاءات مع العديد من الشخصيات التي كان لها  دور في النضال ضد الاستعمار البريطاني وقد اجمع كل من التقيت بهم  أن كثير من المظاهرات التي كانت تخرج في عدن في تلك الحقبة كان أكثر الشعارات التي يرددها المتظاهرون هو شعار ( عاش جمال عبد الناصر  )كما إن الصور الشخصية الوحيدة التي كانت ترفع في المظاهرات هي أيضا صور الزعيم جمال عبد الناصر
كل ذلك الحب للزعيم  إضافة لطغيان  المد القومي هي عوامل عاطفية لكنها كانت الركيزة الأساسية التي قامت عليها تلك الوحدة متجاهلة التفاوت الاقتصادي  والاجتماعي بين القطرين رغم أن البناء الاقتصادي والاجتماعي هو الأساس الذي ستقوم علية البناءات الوحدوية
وبعد قيام الوحدة اكتشف السوريون أن ليس كل القادة المصريين جمال عبد الناصر وأكاد اجزم أن تصرفات القادة العسكريين المصريين كانت من ضمن الأسباب التي دفعت السوريين للمطالبة بالانفصال  ليس رفضا منهم للوحدة بل رفضا للتبعية
أما الوحدة بين شطري اليمن فرغم حصول أول المفاوضات بشأنها في مطلع السبعينات وتشكيل لجنتي شئون الوحدة لجان (عبد لله طلع عبد الله نزل ) كما كان  يطلق عليها للتفكه والتي  لم تتعدى انجازاتها الاجتماعات والمشاورات ولم يتم اتخاذ أي إجراءات تمهيدية لقيام الوحدة باستثناء ما كان يقوم به النظام في جنوب اليمن  من غرس لمفهوم الوحدة بين أوساط الجماهير وجعلها هدف يناضل في  سبيله ولازال   من عاصر تلك الفترة يذكر شعار( لنناضل من اجل الدفاع عن الثورة اليمنية وتنفيذ الخطة ألخمسيه وتحقيق الوحدة اليمنية  )
ذلك الشعار الذي كان يردد يوميا في المدارس ويتصدر كل المعاملات والرسائل الرسمية الحزبية والإدارية ويعلق في جميع اليافطات في الشوارع والميادين
وأيضا مما يحسب للنظام في الجنوب  إضافة  لتهيئة الناس وغرس حب الوحدة في نفوسهم هو عدم تميزه بين أبناء الشمال والجنوب فالجميع كانوا مواطنين لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات وتصرف لهم البطاقة الجنوبية

 بينما نجد في الشمال عكس ذلك ومازال كثير من المواطنين الذين اضطرتهم الأحداث السياسية للنزوح إلى الشمال الحبيب يتذكرون بمرارة البطاقة التي كانت تصرف لهم والمدون بها (جنوبي مقيم)
لكن كلا القيادات في الشطرين لم تحاولا  تنفيذ هذه الشعارات وترجمتها عمليا على ارض الواقع  حيث استمر الاختلاف الجوهري للنظام الاقتصادي والعلاقات الاجتماعية المتناقضة  بين الشطرين
 ففي الوقت الذي كانت كل موارد وأراضي الجنوب ومصانعة ومؤسساته ملكية عامة أي أن كل رأسمال الجنوبيين يمتلكه ويديره القطاع العام                                                                                                      
  نجد الوضع  في الشمال عكس ذلك فالقطاع الخاص هو المسيطر والمسير للعملية الاقتصادية في الشمال وكل حجر لدية مالك ولأتملك الحكومة أي شيء حتى أن مقرات كثير من وزاراتها كانت مستأجرة
 وبعد قيام الوحدة ضاع رأسمال الجنوبيين وأصبحوا لا يملكوا شيء سوى رواتبهم الشهرية في حين ازدهر القطاع الخاص في الشمال ونمى وترعرع وزاد معدل تصريف منتجاته في السوق الجديدة
فليس من الحكمة في شيء أن   أخد  من طرف كل  ما يملكه وابقي للأخر كل ما لدية واطلب منهما أن يكونا متآلفان سعيدان وراضيان 
 في ظل كل ذلك التناقض بين الشطرين قامت الوحدة اليمنية الاندماجية حارقة كل المراحل التمهيدية
 فطرف ينظر إليها كحلم يتمنى تحقيقه والأخر ينظر إليها كفرع عاد إلى أصلة وهما معا سبب ما تعانيه هذه الوحدة اليوم
أن دراسة تجربة الوحدة المصرية والسورية ووحدة شطري اليمن سيفيد الأشقاء الخليجيين كثيرا مع مراعاة  التركيز على عامل مهم لم يكن موجود في فترة قيام الوحدة المصرية السورية نظرا للمد القومي العربي ولم يكن كذلك في التجربة اليمنية نظرا لمزايدة قيادات الشطريين كلا على الأخر وهو عامل جديد ظهر في البلدان العربية وتفشى  بصورة قوية وازداد قوة بعد أزمة غزو العراق للكويت واقصد بذلك تضخم الذات القطرية لكل قطر عربي على حدة
حيث عمل كل قطر عربي وبذل أقصى جهوده للتركيز على ذاته ومحاولة إظهار تفرده وتميزه عن غيرة من الأقطار المجاورة مما غذى وقوى الاعتزاز القطري واضعف الانتماء القومي
فرغم تجربة مجلس التعاون الخليجي الناجحة التي وحدة بين سكان الدول الخليجية وأزالت كنير من العقبات إضافة للتشابه الكبير  في كثير من النواحي الاجتماعية والسياسية وتوفر كثير من المقومات الأساسية للوحدة إلا أن تضخم الذات القطرية عند كل قطر على حدة كبير ويجب أن يجد المسئولين في دول المجلس الحل المناسب له إذا كانوا جادين في مسالة التوحيد
إن مصطلح الوحدة المدروسة والمتدرجة الذي تعرض  لكثير من السخرية والاتهامات من قبل دعاة الوحدة الفورية الاندماجية يجب أن يوضع نصب أعين المخلصين من قادة هذه الدول لان أي انتكاسة جديدة لن تقوم بعدها قائمة لأي وحدة عربية في المستقبل وستكون سلاح بيد أعداء الأمة يثبطوا به همم كل من يسعى للوحدة من الأجيال القادمة
فكما كان ظهور الأفكار المنادية بالقومية على حساب الوحدة الإسلامية ارجوا أن لا تكون الأفكار المنادية بالقطرية على حساب الوحدة القومية
أن دعوة الملك عبد الله بن  عبد العزيز أثبتت أن مازال فينا رجل رشيد